تُراود البعضَ مجموعة من الأسئلة حول الثقافة ودورها في حياة الفرد. ولماذا يُعدّ مُهمّا أن ينتمي الإنسان إلى ثقافة معينة؟
هذه الأسئلة تنشأ نتيجة لما يتعرض له الأفراد من مجموعة مؤثرات. وسنحاول في هذه المقالة سبر أغوار معنى الثقافة وأهميتها وعلاقة عالم الأزياء بالثقافة.
وفي البداية لابد أن نُعرف: مصطلح الثقافة
أُحب أن أصف الثقافة بالرواية الحية والتي تَروي للأجيال المتعاقبة، الإرث الذي اكتسبه الإنسان عبر التاريخ والذي ساعده على تشكيل طريقته الخاصة في فهم محيطه ومكونه، وصَنع من خلاله طريقة فريدة للعيش. ولا يمكن أن يوجد الإنسان بمعزل عن الآخرين، فهو بحاجة إلى الانتماء؛ لذا ينصهر في بيئات اجتماعية يرتبط أفرادها معاً من خلال سمات مشتركة بينهم لتُوَلد نسقاً ثقافياً يميزهم.
ومن السمات الثقافية التي تميّز المجتمع العربي عن غيره، ولها أثر بارز في تكوينه: القيم، والدين، والسلوكيات والتاريخ ومورثاته الحضارية. بالإضافة الى الفنون بأنواعها المختلفة، والعادات والتقاليد ونمط الحياة، وغيرها.
فهل تتطور الثقافة مع مرور الزمن؟ وهل الثقافة تمنع الحداثة والتحضر؟
لنفهم كيف تتطور الثقافة لابد أن نوضح علاقتها بالحضارة.
فقد ذهب بعض المختصين في مجال علم الاجتماع إلى أن طبيعة العلاقة التي تربط بين الثقافة والحضارة تَتَحدّد من خلال النظر إلى كل منهما بالجذر والفرع، فالثقافة جذرٌ والحضارةُ فرعٌ لها، في حين ذهب بعضهم إلى أن الحضارة والثقافة إنما هما اصطلاحان لمسمى واحد. وآخرون ذهبوا إلى أنهما مختلفان، وذلك أن الحضارة تقتصر على التقدم المادي، في حين أن الثقافة إنما تقتصر على الفكر والقيم والعقائد.
أما ابن خلدون، مؤسس علم الاجتماع واُسسه الحديثة، فقد بيّن أنّ الحضارة تفنُّن بالترف، وإتقان الصنائع التي تم استعمالها في وجوه هذا الترف، تنقل الناس من حالة البداوة الى حالة التحضر. إذن فمفهوم الحضارة أو التحضر مرتبط بسُبل عيش الانسان واتخاذه التقانة الحديثة في تبسيط العيش ورفاهيته. أما الثقافة فهي كل ما يتعلق بالقيم، والدين، والسلوكيات والتاريخ والعادات والتقاليد السائدة
إن السمات الثقافية في أي مجتمع تتأثر بتطور الحضارة. ويقترن هذا التطور بالمحافظة على جوهر المجتمع وروحه الثقافية من حيث تقاليده وعاداتـه وقيمـه وموروثاتـه. ويظهر ذلك جلياً في البلدان الشرقية وخصوصا الشرق العربي
فما علاقة الثقافة بعالم الأزياء؟
تُعد الأزياء أحد مظاهر الإرث الثقافي للمجتمع حيث إنَّها تعكس الهويَّة الثقافية لأيَّ مجتمعٍ يُعبِّر الفرد من خلالها عن علاقته بالمجتمع والبيئة التي يعيش فيها. وفي كل مجتمع تتعدد أنماط وطرز الأزياء؛ حيث يتنوَّع ويتغيَّر النمط بحسب ملاءمته للبيئة المناخية أو نمط الحياة التي يعيش فيها المجتمع.
بعض من ازياء المرأة في سلطنة عُمان بحسب المحافظة
وتواكب الأزياء اَلتَّغَيُّرَات الحضارية أو الثقافية في المجتمع وتعكس ملامح التغيير الذي يطرأ عليه. ويظهر ذلك من خلال تطور اللباس ومادّته (نوع الأقمشة المستخدمة) وأساليب التقنية في تصنيعه. ويمكن أن يُقاس مستوى تطور الحضارات وخصائص تطورها من خلال الأزياء. فقد ذكر ابن خلدون أن الحياكة والخياطة صناعتان ضروريتان في العمران حيث قال ” أنما تفصيل الثياب وتقديرها وإلحامها بالخياطة للباس من مذاهب الحضارة وفنونها” مشيراً الى اقتران التحضر بتطور تصنيع الأزياء وأدواتها حيث غدت الملابس المخيطة اللباس الأساسي للمجتمعات المتحضرة وصناعة حاضرة في الحضر حينذاك لأن أهل البدو لم يألفوا الملابس المخيطة حيث كانوا يلبسون القماش بلا تفصيل أو خياطة.
وكذلك تعكس طرز الأزياء مستوى تطور الحضارة؛ فتارةً تتسم بالبساطة وتارةً أخرى تكون أكثر فخامة وترفاً يعكس مظاهر الثراء والرفاهية؛ ودليلاً على مستوى التحضر الذي وصل إليه الانسان. ولكن، غالباً ما يميل نمط الأزياء إلى تفضيل جانب الثقافة؛ ليتماشى مع الأعراف والتقاليد الاجتماعيَّة السائدة فيظل النمط الأصلي مستقراً مع بعض التعديل والتطوير في الطراز. فعلى سبيل المثال، تذكر العديد من المراجع أن الملابس الفضفاضة والطويلة كانت دائما هي السمة الشائعة في أزياء العرب من الرجال والنساء، فالتقاليد تميل إلى إخفاء خطوط الجسم تواضعاً وحشمة، ولكن تعددت أنواع المنسوجات أو الأقمشة المستخدمة في اللباس.
ارتباط عالم الأزياء بتطور الحضارة وتغير الثقافة
إن الانموذج الحي لتطور الحضارة وتغير الثقافة وارتباطهما بعالم الأزياء نشهده بكل وضوح في العالم الغربي. حيث إن الحداثة والتحضر أثر بشكل ملحوظ في الثقافة، وبالتالي في طرز وأنماط الأزياء في المجتمع الغربي.
فمنذ نهاية القرن الثامن عشر وصولاً الى القرن الحالي أخذت أنماط العيش وعادات الناس في العالم الغربي في التغير والتحول الى شكل مختلف، وبالتالي تغير نمط وطرز الأزياء تغيراً جذرياً. هذا التحول كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بعوامل عديدة، منها السياسية كنهاية الحكم الملكي في أوروبا، والثورات التي تبعتها، والحروب العالميَّة. ولكن ظهور حركات التغيير الثقافية والاجتماعية الثورية العنيفة، او ما يسمي بحركات التنوير، أسهم بشكل كبير في محو الثقافة السائدة حينها. حيث رأت هذه الحركات “التنويرية” أن السمات الثقافية كالتقاليد والأعراف هي قوانين خانقة وبالية ويجب التخلص منها؛ لكونها مظهراً لوصاية الآخرين، سواء كان أولئك الآخرون أديانًا أو مؤسساتٍ أو أفرادًا. ورأت هذه المجموعات الثورية في اللباس رمزا للتحرر من القيود الثقافية وتجسيدا للقيم الاجتماعية الجديدة، ومظهرا من مظاهر المواجهة بين التقاليد والتغيير.
فبعد أن كانت الأزياء شكلا من اشكال التمايز الاجتماعي أصبحت مظهرا من مظاهر الثورة على التقاليد. حيث تحولت أزياء المرأة من الفخامة في التفصيل والترف في الخامات المستخدمة والزخرفة بالتطريز وإبراز الانوثة بالتصميم، إلى نمط أزياء بسيطة وعملية تميل الى الرسمية بعيداً عن التكلف. وتغير الخط العام او هيئة لباس النساء (silhouettes) من فساتين ضخمة وطويلة وذات ذيل، إلى تنانير قصيرة وبناطيل.
الانتماء هي سمة إنسانية أساسية:
وبالرجوع إلى حقيقة أن الإنسان بحاجة إلى الشعور بالانتماء لمرجع ثقافي او هوية ثقافية، ظهرت ثقافات بديلة بعد حركات التغيير الثورية التنويرية، منها الحركة الرومانسية، كردة فعل مضادة لحركة التغيير التي قادها التنويريون. فمجدت الحركة الرومانسية الماضي والتقاليد والأعراف ونظرت إليها كشيء نبيل بعد الازدراء والقطيعة التي أحدثها ثوار التنوير.
ونرى انعكاسات هذه الحركات الثقافية في أزياء المرأة من خلال ظهور طرز وأنماط مختلفة ومتنوعة. فبالرغم من أن نمط الأزياء في هذه الحقبة الزمنية اتجه نحو البساطة، إلا أنها عُرفت بسحرها وبريقها بحسب المؤرخين في مجال الأزياء. ويعزى ذلك الى دمج عناصر الإلهام من التاريخ الأوروبي والثراء الثقافي في بلدان الشرق (الاستشراق). حيث استعان المُصمِّمون الغربيِّيون وصُناع الأزياء بالعناصر الجمالية الاصيلة والقَيمة من تاريخ الأزياء الأوروبي قبل الثورة هروباً من صرامة او محدودية الإبداع الى الإبحار في الخيال. بالإضافة الى ذلك وجدوا في بلدان الشرق مصدر إلهام غنيٍّ؛ وذلك بسبب تعدُّد الثقافات والحضارات التي نشأت فيها وحفاظهم عليها. فكانت طرز الأزياء الدارجة حينها فضفاضة مستوحاة من أزياء الشرق كالكيمونو من اليابان، وكانوا يميلون إلى الأقمشة الشرقية مثل الحرير الياباني، والمزخرفة بزخارف من أزهار الكرز والقزحية الشائعة في تصميم المنسوجات اليابانية. بالإضافة الى ميلهم الى الحرير الصيني والمطرزات الشرق أوسطية لصفاتها الجمالية وألوانها الثرية، والتي منحت بديلاً للألوان الباهتة والزي الرسمي والذي كان سائداً فترة الحروب
ولعبت الثورة الصناعية أيضاً دورًا هامًا في إحداث تغييرات كثيرة في كل مجالات الحياة وطرز الأزياء، فعلى سبيل المثال: فقد تغير نمط حياة المرأة وقَلت المناسبات الاجتماعية المختلفة، من حفلات وغيرها من مظاهر اجتماعية، والتي كانت تتطلب ارتداء عدد من الملابس في اليوم لأوقات أو مناسبات مختلفة. وذلك بسبب اتجاه المرأة الى العمل خصوصاً اثناء وعَقِب الحروب العالمية فاضطرت النساء بتخفيف مظاهر التأنق في اللباس والاتجاه إلى البساطة العملية وأيضاً بدت التصاميم بعيدة عن الانوثة وتميل الى المظهر الذكوري. فكان بعض النساء يملْنَ إلى لبس البنطال. على الرغم من أنه لم يكن مقبولاً في المجتمع الغربي كثوب عصري للمرأة لسنوات عديدة
طرز أزياء المرأة في الغرب خلال الحروب العالمية – المصدر: كتاب 100 عام من الأزياء
واستمرت التغييرات الثقافية في الغرب بظهور ثقافات بديلة (sub-culture) مختلفة. وكان للشباب ايضاً دور في تشكيل او خلق هوية تتناسب مع تطلعاتهم حينذاك. فقد قاد الشباب التحول الثقافي الأوسع في المجتمع والأكثر تمرداً على القواعد الاجتماعية في نمط اللباس؛ فقد خلقوا بعد الحروب العالمية نزعة ثقافية جديدة، ازدهرت في جميع أنحاء أوروبا، وكان أساسها الفن (ثقافة موسيقى البوب وحركة الهيبيز وغيرها) بحيث دمجوا جميع جوانب الفن في الحياة اليومية. وكان طرز لباس المرأة حينها يميل الى الطابع غير الرسمي، واكثر انثوية وليبرالية تصل إلى نمط الأزياء الجريئة، فقد ظهرت التنانير القصيرة جداً (mini skirts) والتي عدها المجتمع حينها فاضحة وغير مقبولة ولم تكن ترتديها من النساء إلا قلة جريئة من الفئة الشبابية النسائية (Flappers)
وفيما كان مجموعة من مصممي الأزياء يستمدون التأثير ويستلهمون التصاميم من عناصر ثقافة الشباب، بما في ذلك موسيقى البوب وحركة الهيبيز والبوهيمي، حافظ مصممو الأزياء المؤثرين في عالم الأزياء آنذاك، كـ: شانيل وديور وغيرهم، على إرث الخياطة الراقية وتصاميم الأزياء الأنيقة، الذي اكتسبوه خلال عقود من العمل، ولم يتقبلوا طرز الازياء الجريئة، والتي كانت تمثل الأيدلوجية الثقافية الشبابية الجديدة، وحاولوا ان يُبقوا على التصاميم الانثوية الكلاسيكية والتي كانت تركز على ثراء التفاصيل من جودة القماش والتفصيل والخياطة عوضاً عن الجرأة
وظل عالم الأزياء تارة يواكب التغييرات الثقافية وتارة أخرى يقودها كمظهر من مظاهر التمرد على القواعد الاجتماعية في المجتمع الغربي، فاستمر تأرجح طرز الأزياء بين النزعة المحافظة والصاخبة الجريئة، وذلك بحسب ميل المجتمع وظروفه وبيئته الاجتماعية وما يحدث من تغييرات على الصعيد التحضر. بحيث يأتي كل جيل في بيئات اجتماعية مختلفة يختلف تأثره وتعاطيه مع الثقافة القائمة سواء تتصادم معه او تتأثر به
عواقب التحضر
تعد الثورة الصناعية، وكذلك الثورة الرقمية الذي نعيشه الان، أَحْدث أشكال الحضارة، كما تعد سبباً لارتقاء مستويات المعيشة واتساع رقعة المدن وازدياد الرفاهية الاجتماعية وتمازج الشعوب نتيجة الهجرة الى بلدان متحضرة. ولكن الآثار التي ترتبت على هذا التحضر لم يعهدها الإنسان من قبل. فقد دفعته إلى أن يتجرد من ثقافته ويركز على الفردية والمادية او الاستهلاكية، بعكس ما كان معهوداً من قبل من اقتران التطور أو التحضر بالمحافظة على جوهر وروح وسمات المجتمع الثقافية، من حيث تقاليده وعاداتـه وقيمـه وموروثاتـه. ويرى علماء الاجتماع أن أحد أكبر عيوب الثورة الصناعية هو تمركٌز الأشخاص حول المادية والاستهلاكية والتخلي عن السمات الثقافية من عِقَال القيم والتقاليد والدين. ولا يختلف عصر الثورة الرقمية اليوم عن الثورة الصناعية من حيث تأثيره على ثقافة المجتمع في الغرب.
هذه التغييرات أو المُؤثِّرات التي شهدها المجتمع الغربي تفسر حاجة الإنسان إلى الارتباط بثقافة معنية. فحين تبعثر النسق الثقافي الذي كان يميز المجتمع الغربي، ظهرت عدة ثقافات بديلة ولكنها تذوي أو تموت؛ وذلك لأنها لم تشكل نسقاً ثقافياً متجانساً، بل ارتكزت على الفردية وأشاعت مظاهر الحياة المادية. وكما ذكر كارل ماركس فيلسوف ومفكر سياسي واقتصادي وعالم اجتماع “إن جوهر الإنسان ليس تجريداً كامناً في كل فرد. إنما هو في حقيقته جماع العلاقات الاجتماعية
ولأن الهوية الثقافية تساعد الإنسان على إدراك المعنى من وجوده، كما أن لها دوراً مهماً في تشكيل هويته الفردية؛ فقد تَولد عند الجيل الذي عايش التغييرات الثقافية، شعور بالانفصال عن الاخرين او عن الذات او كليهما (الاغتراب النفسي) كردة فعل للتمدن والتحضر. واتخذ الإنسان الذي عاصر هذه المتغيرات آلية للتكيف، وذلك بالارتباط بذكريات عاشها في الماضي، او ما يعرف بالحنين الى الماضي (النستولجيا). ولا يُقرأ الحنين إلى الماضي كحالة ذهنية عرضية فحسب، حيث وجد الباحثون أن الشعور بالحنين للماضي، يعزز الإحساس بالاستمرارية الذاتية والشعور بالرضا والقوة للمضي قدماً.
وفي الغرب نشأت أجيال لم تجد نسقاً ثقافياً ينتمي إليه، وإنما وجدت في بيئة يعتمد فهمهم لمحيطهم فيها، على المعلومات التي يتلقونها وينشرونها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمدونات وغيرها من القنوات، مما جعلهم معزولين؛ وبالتالي يفتقد الفرد للارتباط
والمثير للاهتمام أن هذه الأجيال والتي لم تعش في مجتمع ذي هوية ثقافية ثابتة أو أصيلة، ولم تعاصر التغييرات الاجتماعية والثقافية التي حدثت في المجتمع، لجأت إلى تشكيل روابط قوية مع الصور والأزياء وغيرها من المظاهر الثقافية التي تمثل العقود السابقة، على الرغم من عدم تجربتهم العيش خلال تلك الفترة الزمنية. من وجهة نظري، قد تكون هذه محاولةً منهم لسد الفجوة التي أحدثها الفراغ الثقافي حيث يبحثون في هذه الحالات الخيالية عن إدراك المعنى من وجودهم وزيادة الوعي الذاتي ومحاولة تشكيل الهوية الفردية. وهذا يقودنا الى أن حالة الحنين الى الماضي (النستولجيا) لا ترتبط بالتجارب الشخصية التي عاشها الفرد في الماضي، وانما أصبحت اشمل من ذلك، حيث أصبحت شعوراً رومانسياً تجاه تصور خيالي عن الماضي، أو حنيناً إلى المطلق الذي لا يملك روابط حقيقية بالماضي، وقد تكون هذه طريقتهم لزيادة الإحساس بالترابط الاجتماعي
النستولجيا Nostalgia: مصطلح يستخدم لوصف الحنين إلى الماضي
وعلى صعيد الأزياء نرى عودة طرز الأزياء من الحقب الزمنية الماضية بمسميات الحركات الثقافية حينذاك، وهذه تلقى رواجاً بين أفراد جيل الألفية، على الرغم من أنهم لم يعاصروا تلك الفترة الزمنية. فنرى ظهور نمط أزياء البوهيمي المعروف أيضًا باسم “بوهو”، والمستوحى من حقبة ثقافة الموسيقى والمهرجانات. ونمط الأزياء الفيكتورية والتي تُستلهم من ملابس النساء في العصر الفيكتوري وغيرها من الأنماط والطرز
أهمية الثقافة
إن للثقافة أثراً عميقاً في حياة الفرد؛ فقد أوجدها البشر للحفاظ على بقاءهم وسماتهم الإنسانية وإعطائهم ميزة تطورية. فإذا تجاوز تطورنا قيمنا الانسانية، فإننا نجازف بالتقدم إلى الأمام بدون خريطة، ونجد أنفسنا على حافة الهاوية
وقد فرط المجتمع الغربي في الهوية الثقافية أو النسق الثقافي (القيم والعادات والتقاليد الخ) على اعتبار انها مظهر لوصاية الآخرين؛ ولكنهم بذلك وقعوا تحت وصاية وسيطرة الثقافة الاستهلاكية والمادية. فاستبدلوا اتساع وعمق نطاق الثقافة الى شاعرية وخيالية وسطحية ما يسمى بالحركة الرومانسية أو مادية الشعور بالحنين الى الماضي (النستولجيا) ليتسق مع التوجه المادي/الاستهلاكي الذي فرضته الثورة الصناعية والرقمية، ففقد المجتمع اتزانه. اذن يمكن اعتبار الثقافة هي الميزان الذي يحتاجه الإنسان؛ حتى لا يتجه نحو الافراط بمظاهر التمدن والتحضر أوالتفريط بسمات إنسانيته
وبما أن الثقافة شاهدة على وجود الإنسان في مجتمع بخصائص وسمات ما، فإن الأزياء شاهدة على نمط عيش الانسان. وبالرغم من أنه غالبًا ما يتم الازدراء بالأزياء باعتبارها سطحية، نتيجة لزمنها الزائل الذي يُحمل في ثناياها، ولكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن أنماط وطرز الأزياء تُبنى من الهويَّة الثقافية لأيَّ مجتمع